تذاكر جماعة فيما بينهم أخبار معن بن زائدة ؛ وماهو عليه من وفرة الحلم ولين الجانب وأطالوا في ذلك ؛ وكان معن لا يغيظ أحداً ؛ ولا أحد يغيظه؛ فقام بعض الشعراء وقد آلى على نفسه أن يغضبه ؛ فقال : أنا أغيظه لكم !؛ ولو كان قلبه من حجر؛ فراهنوه على: مائة بعير إن أغاظه أخذها ؛ وإن لم يغظه دفع مثلها ! .
فعمدَ الرجل إلى جملٍ فذبحه وسلخه؛ ولبس الجلد مثل الثوب؛ وجعل اللحم من خارج والشعر من داخل؛ والذباب يقع عليه ويطير؛ ولبس برجليه نعلين من جلد الجمل ؛ وجعل اللحم من خارج والشعر من ناحية رجليه ؛ وجلس بين يدي معن على هذه الصورة ؛ ومد رجليه في وجهه وقال :
أنا والله لا أبدي سلاما ....... على معن المسمى بالأمير
فقال له معن: السلام لله ؛ إن سلمت رددنا عليك؛ وإن لم تسلم ما عتبنا عليك؛ فقال الشاعر :
ولا آتي بلاداً أنت فيها ....... ولو حزت الشآم مع الثغور
فقال له معن : البلاد بلاد الله ؛ إن نزلت فمرحبا بك، وإن رحلت كان الله في عونك ؛ فقال الشاعر:
وأرحل من بلادك ألف شهر ....... أجد السير في أعلى القفور
فقال له: مصحوباً بالسلامة ؛ فقال الشاعر :
أتذكر إذ قميصك جلد شاة ....... وإذ نعلاكَ من جلد البعير
فقال له: أعرف ذلك ولا أنكره ؛ فقال الشاعر :
وتهوى كل مضطبة وسوق ....... بلا عبدٍ لديكَ ولا وزير
فقال له: ما نسيتُ ذلك يا أخا العرب ؛ فقال الشاعر :
ونومك في الشتاء بلا رداء ....... وأكلك دائما خبز الشعير
فقال: الحمد لله على كل حال؛ فقال الشاعر :
وفي يمناك عكاز قوي ....... تذود به الكلاب عن الهرير
فقال له: ما خفي عليك خبرها ؛ إذ هي كعصا موسى؛ فقال الشاعر :
فسبحان الذي أعطاك مُلكاً ....... وعلمك القُعودَ على السرير
فقال له معن : بفضل الله لا بفضلك ؛ فقال الشاعر :
فعجل يا بن ناقصةٍ بمالٍ ....... فإني قد عزمتُ على المسيرِ
فأمر له معن بألف دينار ؛ فقال الشاعر :
قليل ما أمرت به فإني ....... لأطمعُ منك بالشيء الكثير
فأمر له بألف دينار أخرى ! ؛ فقال الشاعر :
فثلث إذ ملكت الملك رزقاً ....... بلا عقلٍ ولا جاهٍ خطير
فأمر له بثلاثمائة دينار ؛ فقال الشاعر :
ولا أدبً كسبت به المعالي ....... ولا خلق ولا رأي منير
فأمر له بأربعمائة دينار ؛ فقال الشاعر :
فمنك الجود والإفضال حقاً ....... وفيضُ يديكَ كالبحر الغزير
فأمر له بخمسمائة دينار؛ وما زال يطلب منه الزيادة حتى استكمل ألف دينار؛ فأخذها وانصرف متعجباً من حلم معن وعدم انتقامه منه ؛ ثم قال في نفسه : مثل هذا لا ينبغي أن يُهجى بل يُمدح؛ فاغتسل ولبس ثيابه ورجع إليه فسلم عليه ومدحه واعتذر له بأن الحامل له على هجوه المائة بعير التي صار الرهن عليها في نظير إغاظته له ؛ فأمر له بمائة بعير يدفعها في نظير الرهن ؛ وبمائة بعير أخرى لنفسه، فأخذها وانصرف !
الاثنين، 17 أبريل 2017
حِلْمُ مَعْنُ
الأحد، 9 أبريل 2017
أتصبرون
﴿وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا﴾
قبل خمس سنوات قرأت هذه الآية في منشور لأحد ألاصدقاء.. كتبها بلا تعليق ، ولكنّه كتبها بطريقة جعلتني أفيق ..
كتبها هكذا :
﴿وجعلنا بعضكم..
لبعض فتنة..
أتصبرون ﴾
فهمت لحظتها كل شيء ..
نعم كل شيء ..
إنّه اختبار صبر ..
ذلك المبتلى بعاهه او معصيه الذي مرّ بجواري .. إنّما هو اختبار صبر ! هل أدعو الله له ولي بالعافية ، أم أحوّله إلى مشروع نكتة ؟
تلك الشتيمة التي وُجهت لي دون استحقاق مني لها ،
هي اختبار صبر ! هل أتغافل ، وأكون أنا الحليم الرشيد ، أم أحوّلها إلى قضيّة في المحكمة ؟
الموظّف الذي أخّرني -دون قصد منه -
في تلك الدائرة الحكومية ، هو اختبار صبر !
هل أستثمر ذلك التأخير في ذكر الله والتسبيح ..
أم أبدأ في نشر روح التذمّر ، والتهديد بالشكوى ؟
ذلك الذي سرق حذائي .. والآخر الذي وطئ قدمي .. والثالث الذي آذاني ببوق سيارته ..
كلّهم فتنة لي .. أأصبر ؟
﴿أتصبرون ﴾
إذا عشت بنفسيّة شخص في اختبار يتعرّض لأسئلة اختباريّة .. ليست أسئلة مقاليّة ولا موضوعيّة وإنما أسئلة مواقف وتمحيص وافتتان ..
عند ذلك ستحرص على دقة الإجابة ،
وعلى استثمار وقت الاختبار ، وعلى ترتيب الإجابة وعدم تلويث ورقة الاختبار ، لأن كل شيء مرصود ..
ومدرج في بنود التقييم ..
لأن الرقيب في هذا الامتحان هو الله :
﴿وكان ربك بصيرا﴾
إذن تحلّ بالصبر في جميع مواقف الحياة ..
لأن شهادة ونتيجة الاختبار هي : صابر ..
فإذا كُتب في شهادتك (صابر) ..
فإن ذلك يعني الأجر اللامحدود ..
﴿إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب﴾
(علي الفيفي)
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)